فاطمة السمحة والغول
قصة من الأدب السوداني (سلسلة من قصص الشعوب)

إعداد: ندى فردان.

كان يا ما كان، كان هناك فتاة طيبة اسمها فاطمة، لها شعرٌ طويل جميل، وجميلة جداً. وكانوا يطلقون عليها اسم "فاطمة السمحة" لشدة حسنها وجمالها.

  
وكان الخطّاب يتقاطرون على منزل أبيها لطلب يدها، لكن أبوها كان يرفض لصغر سنها.

أثار جمال فاطمة السمحة، وتهافت الخطّاب عليها، غيرة البنات الأخريات في القرية وحقدهن.

وكانت فاطمة تسكن في منزل أهلها في قرية في شمال السودان، وقريبة من غابة يسكنها غول شرير. ينام سنة ويصحى سنة. يختار أجمل البنات في القرى المجاورة ويخطفها لتصبح زوجته. ثم بعد عشرين سنة يقتلها ويختار عروساً جديدة.

كان والد فاطمة السمحة يعرفون أنها سنة اختيار الغول لزوجة جديدة، ويسمعون تهامس الناس على فاطمة، البنت الأكثر جمالاً على الإطلاق في القرية. لذا قررا أن يمنعا ابنتهما من الخروج من المنزل، وخوفاً عليها حرماها أيضاً اللعب مع صديقاتها في الخارج.

لكن الغيرة والحقد اللذان اشتعلا في قلوب بنات القرية، جعل الفتيات يفكرن في خطةٍ للتخلص من فاطمة الحسنة، علّه يأتيهم خطّاب ويتزوجنهن.

وفي ذاك اليوم زارت مجموعة من الفتيات بيت فاطمة، وطلبن من جدتها أن تسمح لهن بأخذ فاطمة لتلعب معهن، ويذهبن إلى بساتين النخيل لجمع البلح.

أرادت الجدة أن تُعجر الفتيات، فألقت جوالاً من السمسم، وجوالاً آخرَ من الذرة، وألقت الحبوب في حوش البيت، واشترطت عليهن أن يجمعن كل الحبوب ولا ينقصن ولا حبة، حينها ستسمح لهن بأخذ فاطمة.

فكّرن الفتيات في طريقة للتغلب على هذا الشرط التعجيزي، فأخذن ديكاً ليلتقط الحبوب، ثم عقروا بطنه وأخرجن كل الحبوب منها قبل أن يهضمها.

وهكذا لم تجد الجدة بُداً من الوفاء بوعدها.

فرحت فاطمة السمحة بخروجها من المنزل، ولم تكن تعلم بنية صديقاتها الخبيثة بالإيقاع بها.

وصلن الفتيات إلى البستان، واحتلن في القرعة ليقع الاختيار على فاطمة السمحة لتتسلق النخلة وترمي بالبلح، والفتيات يضعنه في سلالهن.

وحينما أوشكت الشمس على المغيب، استعددن الفتيات لرحلة العودة، وفاطمة المسكينة لا تدري عن الخطة الشريرة التي أعددنها البنات للتخلص منها.

وعندما وصلن للبئر، قلن لفاطمة أنهن سيلعبن لعبة البئر والسوار، وهي أن ترمي كل واحدة منهن سوارها في البئر، والتي تخرج سوارها أولاً هي الفائزة وتنال جائزة. ترددت فاطمة بالمشاركة، لكن تحت إلحاحهن وافقت على ذلك.

حينها تظاهرن الفتيات برمي أساورهن، لكنهن في الحقيقة رمين حجارة بدلاً عنها، لكن فاطمة رمت سوارها الغالي الذي أهدته إياها جدتها، وانتظرت نهاية اللعبة. حينها سخرن الفتيات منها وسارعن بالمغادرة والعودة إلى القرية دون أن يلتفتن لتوسلات فاطمة بالمساعدة على استعادة سوارها الجميل.

جلست فاطمة السمحة تبكي ولا تدري ماذا تفعل. وإذ بعاصفةٍ غريبةٍ تهب في نهايتها ريح صفراء تقول لفاطمة: "فاطمة السمحة، خذي حذرك مما سيأتي!". ثم ما لبثت لحظات وأتت عاصفةٌ أخرى في نهايتها ريح حمراء كلون الدم وقالت: "لقد تركنكِ وحيدة وهربن. خذي حذرك مما سيأتي!".

وهكذا تكرر هبوب العواصف حتى ظهرت الريح السابعة، ريحٌ سوداء قاتمة وقالت لفاطمة مثل ما قالته الريح السابقة. ثم ظهر أخيراً الغول، بجثته الضخمة، وشكله المرعب، وعيناه اللتان تقدحان شرار وقال: "لا تخافي يا فاطمة، سأخرج لكِ سوارك".

وقام بإدخال رأسه في البئر وشرب الماء كله! ثم أخرج السوار وأعطاه لفاطمة السمحة.

شكرت فاطمة الغول على مساعدته، ولكن حينما همّت بالمغادرة منعها وصاح بها: "أنتِ سوف تأتين معي!".

وهكذا خطفها الغول، وطار بها إلى قصره الذي كان في عمق الغابة، ثم وضع رأسه الثقيل على شعرها وغط في نومٍ عميق فلم تستطع الحراك.

توسلت فاطمة من الخدم الموجودين في القصر مساعدتها على الهروب، لكنهم كانوا يخافون من أن يستيقظ ويأكلهم الغول.

في تلك الأثناء ظل أهل القرية يبحثون عن فاطمة في كل مكان ولم يعثروا لها على أثر. فقرر أهلها قصد بيت عجوز القرية الحكيم.

أمر الحكيم أخوة فاطمة السبعة بأخذ ثور أبيض لا يشوبه شائبة إلى الغابة. وعندما يتأكدون من نوم خدم الغول، عليهم أن يذبحوا الثور ويغطوا بدمه كل مكان في القصر حتى لا يستيقظ الغول.

نفّذ أخوة فاطمة ما قالها الحكيم، وقصوا شعرها وحملوها مسرعين بعيداً عن قصر الغول. لكن الغول استيقظ فجأة لأن الأخ الأصغر نسي أن ينثر الدم على حجرٍ صغير في القصر، فأخذ الحجر يضرب على صدر الغول حتى أيقظه.

خرج الغول مسرعاً من قصره تسبقه الرياح السبعة، حتى لحق بركب فاطمة وأخوتها. فتصدى له أخوها الأكبر، وأطاح بسيفه رأس الغول. لكن في غمضة عين ظهر للغول رأس آخر، فتصدى له هذه المرة الأخ الثاني. وهكذا ظل الحال إلى أن وصلوا للرأس السادس، حينها هرب الغول إلى الغابة بعد ظهور رأسه السابع والأخير.

فجرى خلفه الأخ الأخير حاملاً سيفه، ولم يعد إلا وهو يحمل رأس الغول. فحرقه ونثر رماده في البوادي والوديان.

ومنذ ذلك اليوم لم يسمع أحدٌ عن الغول مجدداً. وعاشت فاطمة السمحة بسعادة وهناء بين أخوتها السبعة، ثم تزوجت أخيراً وأنجبت العديد من الأطفال.


*الصورة: رسمة الفنان السوداني أبو الحسن المدني.

 

 

 


الضفدع والثعلب
قصة من الأدب الصيني (سلسلة من قصص الشعوب)