مراجعة أدبية: ندى فردان
كان ياما كان، كان هناك مزارع قد قرر استكشاف الأراضي البعيدة عن بلدته. وحينما وصل إلى وادي توبا، اكتشف أرضاً واسعاً خصبةً بها بحيرة صغيرة هادئة. قرر المزارع أن يستقر هناك، وأن يبني له منزلاً جميلاً، وأن يزرع الأرض بجدٍ واجتهاد، وأن يقتات على السمك من تلك البحيرة.
وفي يومٍ من الأيام، وبينما كان المزارع منهمكاً في زراعة أرضه، لاحظ سمكةً تُخرج رأسها من الماء وتراقبه. حدّث نفسه: اعتقد بأن هذه السمكة ستكون طعامي هذا اليوم على وجبة الغداء!
اقترب المزارع من البحيرة ليرى ما إذا كان يمكنه اصطياد تلك السمكة. وعندما صار في وضعية الانقضاض عليها، قالت له السمكة: "توقّف أيها المزارع الطيب! لا تصطدني.. أرجوك".
تجمّد المزارع في مكانه، ودُهش من هذه السمكة التي تتكلم بلغة البشر! قالت له السمكة: "أنا أستطيع أخذ شكل الإنسان حال موافقتك على ذلك، و سوف أكون زوجتك، وأنجب لك أطفالاً".
أخذ المزارع يفكّر في كلامها، وعلى الرغم من كونه سعيدًا في هذا الوادي وفي منزله و مزرعته، إلا أنه كان يشعر بالوحدة، لذلك وافق بسرعة على عرضها. و قبل أن تأخذ السمكة العجيبة شكل الإنسان، قالت له بأن هناك شرط و يجب الالتزام به، و هو ألّا يقول لأي إنسان بأنها كانت سمكة، و إلا فإنها سترجع إلى طبيعتها (سمكة) مرة أخرى، و لا يمكن أن تكون معه مرة أخرى.
لم يُزعج الشرط المزارع، لأنه لم يرَ أي شخص غيره في هذا الوادي منذ أن اكتشفه، فمن الطبيعي أنه لن يبوح بهذا السر لأي أحد، فعاهد السمكة بأنه سيكتم السر.
وهكذا تحولت السمكة إلى فتاة وكانت في غاية الجمال! و تم الزواج بينهما، و أنجبت له ولدين وسمين، و عاشوا جميعاً لسنوات عديدة في غاية السعادة. وبعد أن كبر الأبناء و أصبحوا صبية أقوياء، صاروا يقومون بمساعدة والدهم على الزراعة و صيد الأسماك.
ففي كل صباح، كان الأب و ولداه ينطلقون إلى المزرعة للحرث وقطف الثمار وتلبية جميع احتياجات الأسرة. كان العمل شاقًا في الظروف الحارة بجزيرة سومطرة، لكن الزوجة المخلصة كانت تجلب لهم طعام الغداء و المياه الباردة للشرب، و تقضي الوقت في التحدث و الضحك مع عائلتها.
وفي أحد الأيام، و بينما كانت تعد طعام الغداء في المطبخ، جرحت يدها جرحاً كبيراً، واضطرت إلى العناية بجرحها قبل أن تتوجه لتوصيل الطعام و الماء إلى عائلتها.
لاحظ الزوج تأخر زوجته عن الوقت المعتاد، وكان في ذلك اليوم يشعر بالعطش و الجوع الشديدين. و مع مرور الوقت و حرارة الشمس الشديدة في ذاك اليوم، ازداد تعبهم من العمل وشعورهم بالجوع و العطش.
في هذه الأثناء ثار غضب الزوج معتقدًا أن زوجته قد تعمّدت التقصير في خدمة عائلتها، فأخذ يصرخ في أبنائه أنه كان غبيًا عندما قرر الزواج من سمكة!
وبمجرد إفشائه السر، تحولت الأم إلى سمكة مرة أخرى، و عادت إلى البحيرة.
أدركت الزوجة أن زوجها قد أفشى السر، فحزنت حزناً شديداً لأنها لن ترى أطفالها وزوجها مرة أخرى ولبقية حياتها. انهارت دموعها على وجهها أياماً و ليالٍ، مما ملأ وادي توبا بماء الدموع، وخُلقت بحيرة توبا الضخمة الموجودة حتى يومنا هذا!