اصنع درعك النفسي

مع عالمٍ يختلط فيه الطيب والخبيث، والصالح والطالح، والمحب والكاره، والصديق والعدو، والناصح والحاقد، ومن يتمنى لك الخير، ومن يغار من الخير الذي لديك، فكان لابد للإنسان أن يعمل على وقاية نفسه ونفسيته من التأثيرات الخارجية، أي طريقة تعامل الآخرين تجاهه.

فأنت كفرد لا تملك أن تتحكم في تصرفات الآخرين تجاهك، ولكنك تملك أن تحصّن نفسك مما قد يؤثر عليها. فالغزالة لا تعتمد على لطفها وحسن جوارها مع الأسد لتعيش بأمان، بل تعتمد على قدميها التي تنقذانها من الأسد متى ما قرر  الغدر بها!

أذكر عندما أقمت ورشة "متى أقول نعم، ومتى أقول لا" لعددٍ من الفتيات بالتعاون مع المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية في شهر يوليو الماضي سألتهن هذا السؤال: ماذا تُحببن في أنفسكن؟

كانت معظم الإجابات: نحن لم نفكر في هذا من قبل!

فأخبرتهن: إذن هذه هي فرصتكن لتفكرن في ذلك! فكّرن فيما تحبونه في أنفسكن، سواء على مستوى الشخصية والطباع أو الشكل.

وبعد تفكير، راحت كل واحدة منهن تخبرني بما تحبه في نفسها. وكان تفاعلهن جميلاً، خاصةً وأنه بدى كأنهن رحن يسبرن أغوار ذواتهم بحثاً عمّا يميزها.

وماذا عنك أنت عزيزي القارئ؟ هل سألت نفسك يوماً هذا السؤال: ماذا تحب في نفسك؟
فكّر، وحاول أن تجاوب أيضاً على السؤال التالي الذي سألته للفتيات أيضاً في الورشة: ما الأمور التي لا تحبها في نفسك وتتمنى لو تصلحها؟

الهدف من وراء هذين السؤالين هو إعطاء الفرصة لمعرفة الذات وتقييمها، ومحاولة رفع مستوى احترام الذات في نفوس تلك الفتيات الصغيرات التي لم تتعد أعمارهن العاشرة. إن معرفة الفرد لما يميزه هو أحد مفاتيح الثقة بالنفس، وأحد أركان تعزيز احترام وتقدير الذات. فلا يعود تقديرك وحبك لذاتك رهينةً لآراء الآخرين التي تكون عادة محكومة بأهوائهم ومصالحهم معنا.

فالفرد يجب أن يشعر بالرضا عن ذاته من الداخل بعيداً عما يدور في الخارج. فلا يشعر بالسعادة فقط لأن أحدهم مدحه، كما يجب ألّا يشعر بالتعاسة لو أن أحدهم أساء إليه، أو تجاهله، أو قال عنه ما لا ليس فيه. فالثقة الذاتية هي ما تصنع لك درعك النفسي الذي يقي نفسيتك من التقلّب والتبعية للآخرين.

وهذا الدرع لن يكتمل إلا بمعرفة نقاط ضعفك التي قد يستخدمها البعض ضدك. فبمعرفة سلبياتك تفتح عيناك على تقبل ذاتك الناقصة، مع محاولة لإصلاح ذلك النقص إن أمكن، أو التعايش معه، فلا يصبح معرفة الغير لنقاط ضعفك منفذاً ينفذون إليه لزعزعة سلامك الداخلي، أو أن يكون حجراً بأيديهم لكسر ثقتك بنفسك، أو سلاحاً يوجهونه ضدّك لهدم عزيمتك والإقلال من شأنك.

الحصن النفسي، هو من أهم الدروس التي تعلمتها في الحياة، وجربتها شخصياً، وما قصة "ابتسامة شموسة" التي كتبتها للأطفال، إلا تجسيدٌ لكل ما ذكرته في هذا المقال.

ندى فردان

2020-09-22م


عصارة القراءة