السلم والثعبان.. دروس وعبر


السلم والثعبان.. دروسٌ وعبر


مع أزمة كورونا وغلق أماكن اللعب، بات على الأطفال أن يتكيفوا مع الوضع الراهن، وأن يجدوا ما يملأ فراغهم، ويروّح عن أنفسهم.

ورغم كل بهرجة وجاذبية التكنولوجيا الحديثة، فإن بعض الألعاب القديمة التقليدية مازالت تحتفظ بقدرتها على إسعاد الصغار.. والكبار أيضاً!

وفي ذاك اليوم لعبت مع ولدي علي لعبة السلم والثعبان، وكانت النتيجة أننا لم نستمتع بوقتنا فقط، بل أيضاً ناقشنا الكثير من أمور الحياة، واستخلصنا دروساً وعبراً! وأحببت أن أشارككم إياها:

الدرس الأول: الاستمتاع بالوقت ليس له علاقة بارتفاع سعر اللعبة، بل بمدى قدرتك على التواصل والتقارب.

الدرس الثاني: لكل عصر مميزات وإنجازات.

وإنجاز هذا العصر في التكنولوجيا هو إنجازٌ غير مسبوق. لدرجة أننا بتنا نعتمد على التكنولوجيا في كل شيء في حياتنا، حتى في لعبةٍ تقليدية مثل لعبة "السلم والثعبان"! فقد احتجنا للجوء إلى التكنولوجيا، حيث اكتشفنا أنا وعلي ضياع النرد فاضطررنا لتنزيل تطبيق النرد على الهاتف ليحل لنا هذه المشكلة!


الدرس الثالث: الحياة عبارة عن... حبة فوق وحبة تحت!

أثناء اللعب، مرةً حالفنا الحظ فركبنا سلماً أخذنا للعالي، ومرةً أخرى نزلنا لمرتبةٍ أدنى بسبب أفعى. وهكذا هي الحياة، حبة فوق وحبة تحت، كما يقول أخوتنا المصريين!

فتارةً تفرحنا الحياة، وتوفقنا لتحقيق ما نصبو إليه، وتارةً أخرى ترمينا إلى القاع، وتحرمنا مِمَ كنا نسعى إليه. وبين سلم وثعبان، علينا ألا نقف عند غدر ثعبان، وألا نغتر بصعود، وألا نستسلم عند هبوط،  والأهم ألا نجعل أعيننا تحيد عن مربع النهاية.

الدرس الرابع: ركّز في تحقيقك النجاح عوضاً عن تشتيت انتباهك بمراقبة ما يفعله الآخرين.

كان ابني مشغولاً جداً بخطواتي، لدرجة أنه في إحدى المرات عاد للوراء بدل أن يحرك قطعته إلى الأمام! لذا أخبرته بأهمية التركيز على نفسه، عوضاً عن مراقبة الآخرين.

الدرس الخامس: لا تتمنى الشر لمنافسيك، لكن اعمل وتمنى أن تحصل على نتائج أفضل منهم. 

لدى الأولاد حب التحدي وغريزة للتنافس. وكان رغبة ابني بالفوز علي عارمة لدرجة أنه في كل مرة يأتي دوري لرمي النرد كان يدعي أن يصادفني ثعبان، لكن ما حدث هو أنه كلما حان دوره صادفه ثعبان وكأن دعوته درت إليه. فقلت جرّب أن تتمنى الخير لي وسوف تجد أن الخير سيرد إليك. اسع لأن يكون نصيبك من الخير والنجاح أوفر، لكن إياك أن تتمنى السوء لمنافسك. 

الدرس السادس: العمل بذكاء نتائجة أفضل من العمل بشقاء!

كيف ذلك؟ فمثلاً نقطة واحدة تحصل عليها قد تجعلك تصعد سُلماً متخطياً 20 مربعاً، أفضل من لو أنك حصلت على 5 نقاط.

وهكذا في الحياة. قد تقول أنك تعبت كثيراً، ولكن هل فكرت بطريقة أخرى تؤدي فيها نفس العمل لكن بجهدٍ أقل ونتجية أفضل؟

 الدرس السابع: لا شيء مضمونٌ في هذه الحياة!

وصل ابني إلى المربع 96 وكان سعيداً جداً باقتراب وصوله لمربع رقم 100 حيث النهاية، لكن حينما حان دوره رمى النرد، حصل على نقطتين فكانت تلك النقطتين كفيلتين بإرساله إلى براثن أنياب الثعبان الأطول في اللعبة! وهكذا أخذه الثعبان من القمة إلى المربع رقم 2، وكل هذا التعب للوصول للنجاح، شاء القدر أن يعيده إلى بداية الطريق!

وما سنة 2020م إلا خير دليلٍ على أن لا شيء مضمون، وأن للقدر كلمةٌ أخرى فيما ننوي ونحلم بتحقيقه.

أما الدرس الأهم، فهو الدرس الثامن الذي علمني إياه ابني: لا تفقدي الشغف!

فرؤيته متحمساً وتائقاً للفوز أشعل أجواء اللعبة، وأعطى للوقت حلاوة، وهذا ما جعلني أدرك أن الشغف هو ما يعطي للحياة طعماً.
فكرت لبرهة ما هي الأمور التي أتحمس لها بمثل حماسة هذا الصغير، فوجدت أنها باتت أموراً تعد على الأصابع! كيف لا، وصفعات الحياة توهن الروح، وتطفأ في داخلنا العديد من شموع الشغف. وكان ذلك ناقوساً أدقه في حياتي، لأقوي نفسي، وأدرك أن الصمود في كثير من الأحيان هو مقرونُ بمدى ما نملك من شغف. لذلك أنا ممتنة أنني أملك شغف فن الكتابة، لما يحمله هذا الفن من بلسمة للروح، وأجنحة للأفكار، وملجأ للنفس.

ندى فردان

09-08-2020م



هل للحج من سبيل؟